الاثنين، 16 مارس 2020

لمحة عن الاغنية الشعبية التهامية اليمنية ..بقلم..الشاعراحمد باجل



لمحة عن الاغنية الشعبية التهامية اليمنية وجذورها التاريخية
د/ أحمد سالم باجل
مقدمة :
كنت كلما قرأتُ موضوعاً يخص الأغنية الصنعانية أو الحضرمية أو اللحجية أو سمعت ممن يتحدث عن لون معين من ألوان الغناء اليمني أشعر بشيء ما يحُز في نفسي أتساءل :
أليس لمنطقة تهامة أغنية خاصة يشار اليها مثلها مثل بقية ألوان الغناء اليمني ؟
وكنت دائماَ أجد ما يقنعني ويشجعني ويؤيد رأيي خصوصاً كلما حضرت مجلس من مجالس الانشاد الصوفي وأغاني الدان التهامي او سمعت بعض الأغاني الشعبية الفلكلورية تردد في المناسبات الدينية والأعراس وغيرها أجد رغبة في الكتابة عنها .. فالأغنية التهامية الشعبية تعد من القوالب الموسيقية المهمة على الساحة اليمنية , ولكنني ترددت كثيراَ فلم يسبق لأحد الكتابة عن الأغنية التهامية , بل أن بعض الكتاب التهاميين همشوا الأغنية التهامية وأنكروا وجودها مع اعترافهم بما تزخر به المنطقة من غناء فلكلوري غير ان الموضوع لم يعد مجرد اثبات وجود الأغنية التهامية بل اقناع أولئك الكتاب بوجودها .. وايماناَ مني بأهمية الموضوع فقد رحت أبحث وأنقب وأجمع كل ما يتصل بالأغنية التهامية وأقارنها بغيرها من ألوان الغناء وكان هدفي الأول البحث عن حقيقة الأغنية التهامية ومشاربها وخصوصيتها ومصادرها وطبيعة تطورها وبالتالي الجسور المشتركة بينها وبين الأغنية الصنعانية واللحجية والحضرمية وغيرها وإنني إذ أقدم هذه الدراسة لأتطلع إلى فتح نافذة أولى تميط اللثام عن جوانب مهمة للأغنية التهامية كانت واقعة تحت ظلال من التعتيم .
وقد خرجت بنتائج مهمة ضمنتها بحثي هذا المتواضع والذي سميته ( لمحة عن الأغنية الشعبية التهامية اليمنية وجذورها التاريخية ) ناقشت فيه مراحل تطورها وأنغامها وايقاعاتها المتعددة متتبعاً جذورها ومميزاتها مستعيناً ببعض المصادر والمراجع الشحيحة وبأقوال وآراء عدد من الكتاب اليمنيين والعرب أمثال الاستاذ الشاعر عبدالله صالح البردوني والأستاذ محمد مرشد ناجي وما أورده الاستاذ الموسيقار جابر علي أحمد عن الإيقاع وما يمثله من اهمية وقدمت لمحة عن الأغنية التهامية وعلاقتها بالأغنية الصنعانية والحضرمية خاصة واللحجية وغيرها .
و تأثر الاغاني الصنعانية والحضرمية باللهجة التهامية وأثبت في بحثي أصالة الأغنية التهامية وأقدميتها وبصماتها في كل الألوان الغنائية السابقة الذكر راسما مشاربها من خلال ما يأتي :
الانشاد الصوفي واسهام ألحانه في اعطاء لون خاص للأغنية التهامية .
الدان التهامي ومشتقاته وأشكاله وتأثير ألحانه على الغناء الشعبي العام .
غناء الوزبه : كلون متميز أعطى الأغنية التهامية نوع من الأصالة دفع ببعض الشعراء لصياغة أغاني على ألحانها .
الموال التهامي وايقاعاته المتميزة .
مناقشة الادعاءات لبعض الكتاب حول تهميش الأغنية التهامية واقتصار الأغنية الشعبية على أربعة أنماط فقط هي الصنعاني والحضرمي واللحجي واليافعي وأثبت وجودها من خلال اعتراف عدد من الكتاب وغيرهم وفندت ادعاءاتهم بالأدلة والبراهين وركزت أكثر على الخصائص العامة للأغنية التهامية ومشاربها ودراسة خصائصها الفنية .
الموسيقا واهم الرقصات الشعبية وايقاعاتها المختلفة التي قدمت للأغنية التهامية تنوعاً خاصاً في انغامها .
إن ما أتمناه من القارئ العزيز أو الباحث أو الناقد ان لا يستعجل في اصدار حكمه وان يقرأ بإمعان ما قدمته في بحثي هذا بعين العقل حتى يستطيع فهم ما أصبو إليه وأعتقد ان أحداً لا يستطيع أن ينكر حضور الاغنية التهامية على الساحة الفنية واعجابهم باللهجة التهامية وتذوقها بل لا أظنه ينكر تأثيرها على عدد من لهجات المناطق اليمنية وبهذا يكفيني فخراً أنني وضعت أول لبنة في هذا المجال آملاً أن أفتح أمام كل الباحثين والمهتمين ودارسي الأغنية الشعبية واليمنية والعربية مجالات أرحب حول الأغنية التهامية .. راجياً أن أكون قد وفقت في إعطاء فكرة شاملة عن الأغنية التهامية ومشاربها مع اعترافي بتقصيري فالكمال لله وحده وكما قال الشاعر ابن المقري الزبيدي
لكن ذلك مجهودي أتيت به .. ومن يقصر وراء الجهد لم يلم
أحمد سالم باجل الجراحي - الحديدة : الخميس 23 محرم 1426 هـ الموافق : 3 مارس 2005 م

مدخل :
تعتبر الأغنية التهامية أغنية ذات أصالة وجذور تمتد إلى ما يزيد عن الخمسة قرون حيث نجد لها امتداد في التاريخ اليمني وحضوراً مميزاً منقطع النظير وفي هذه العجالة أحاول أن أسلط الضوء على الأغنية التهامية ونشاطها ومسيرتها .. وان أوضح جوانب خصائصها وسماتها وتنوعها ومميزاتها عن بقية الألوان الغنائية اليمنية حيث تتميز تهامة ذلك السهل المنبسط الذي يمتد من أقصى شمال المخلاف السليماني شمالاً وحتى ذباب والمخا جنوباً , تتميز بتعدد فنونها والذي يعتبر بحق مادة غنية للباحثين والدارسين , ومن هذه الفنون الاغنية الشعبية التهامية اليمنية والتي هي من أهم الفنون الشعبية في هذه المنطقة ذلك أن الأغنية التهامية لها خصوصيتها التي يستطيع المرء أن يميزها من بين سائر الاشكال الغنائية الأخرى كما أن لها مقوماتها الأساسية والنابعة من البيئة الاساسية والتي يمكن للمرء أن يلمسها ويتعرف عليها بسهولة و يتذوقها دون غيرها وليس من الغريب ان تكون تهامة منبع الفنون الشعبية باعتراف الكثير من الأنثروبولوجيين حيث لها لديها مخزون هائل من الفنون والأشكال الغنائية والتي أفرزتها الممارسات اليومية للأجيال الماضية وهي تعكس بحق جوانب المعاناة الاجتماعية للأجيال المتعاقبة .
وبصفة عامة تعتبر المناطق القريبة من الساحل من المناطق المتعددة الفنون وهذا يعود إلى كونها نقطة الاتصال والتواصل مع الشعوب والحضارات المجاورة فكلما اتجه المرء الى الساحل يكتشف مدى ما ذهبنا اليه من تعدد فنونها وتنوعها بعكس عندما تتجه الى الداخل بعيداً عن الساحل حيث تنحسر هذه الفنون وتقل كثافتها .
ومن هنا يمكن القول أن الاغنية التهامية ليست وليدة الأمس بل هي موجودة منذ العصر الرسولي وربما قبله حيث تظهر الموروثات الشعبية المتمثلة في الأغاني بشكل عام ( أغاني الالعاب , أغاني المرأة , أغاني الرعاة , أغاني السيول والزراعة , وأغاني الجّمَالة , وأغاني الصيادين وغيرها ) .
ويذكر بعض المؤرخين أن وزير الدولة النجاحية سرور الفاتكي كان له عدد من القيان يعزفن على آلة العود2 .
ويعتبر ميلاد الموشح اليمني او ما يعرف ( بالحميني ) بداية ظهور للاغنية التهامية ومن يطلع على تلك الفترة وعلى أشعار ادباء ذلك العصر أمثال بن فليته والمزّاح والحكّاك وغيرهم من الأدباء الذين تمتلئ بهم كتب التاريخ حيث شهد مجتمع تهامة في ذلك العصر من التمدن والتحضر ما جعل بعض المؤرخين يشبهونه بمجتمع ( بغداد ومصر ) كالمقريزي3 وابن بطوطه4 وابن المجاور5 ولا يفوتني هنا أن أذكر ان الموسيقا كانت معروفة في ذلك العصر وتعتبر علماً من العلوم الأدبية فقد ذكر لنا الاستاذ والباحث المحقق / عبدالله محمد الحبشي في كتابه القيّم ( حياة الادب في عصر بني رسول صـ 63 ) عن الاديب العلامة / محمد بن أبي بكر الفارسي المتوفي باليمن ( سنة 675 هـ ) الذي وضع كتباً في علم الموسيقا مثل كتاب ( دار الطرب ) وكتاب (الألحان 6) وغيرها مما يدل على أن تهامة لم تكن بعيدة عن الغناء والموسيقى وهي التي أفرزت العديد من الفنون الأدبية والأنماط الشعرية المختلفة وألوان الغناء والتي كانت لها مجالس خاصة عند الأمراء والسلاطين من بني رسول يعقدونها في قصورهم في مدينة زبيد ويحضرها معهم الكثير من الأدباء والشعراء .
اسوق هذا الكلام لأدلل به على وجد الأغنية التهامية سواء بالشعر الفصيح او العامي ولاشك ان الموشح اليمني او ما يعرف بلحميني لم يلد ويظهر إلا للطرب والغناء وإن كان أحد من المؤرخين لم يحول أن يسلط الضوء على هذا الجانب فإن هذا يعود إلى الى الا اعتبار أن الغناء في نظر العلماء ورجال الدين شيء محرم آنذاك بدليل ما جرى بين الصوفية والفقهاء في عهد الدولة الرسولية واستنكار الفقهاء الممارسات التي رجال كان يمارسها رجال بعض الصوفية في حظر اتهم واذكار اتهم حيث يصاحبها الرقص والغناء واستعمال الآلات الوترية 7 وغير أننا نستطيع ان نلمس ذألك لو علمنا كيف انتشرت الفرق الصوفية في تهامة ومصاحب ذألك من الصرعات فكريه ونتيجة لمواقف الفقهاء اتجاه الغناء الموسيقى بأدواته واختلاف بعضهم حول تحلية وتحريمه .
انحصرت الأغنية التهامية فيما يسمى بالإنشاد الغنائي الصوفي الذي لا يصاحب الآلات الغنائية باستثناء (الطارف والدف) كفن أرضى الجميع حتى العامة ليس في عهد الدولة الرسولية فحسب وإنما بعدها وحتى وقت قريب حيث لازال تأثير الطرف الصوفية سيطر على قلوب الناس ومحادث للشيخ /جابر رزق المتوفي 1322هــ الموافق 1905 م وتحوله من الغناء على آلة العود إلى الغناء الصوفي بدون العود وذلك بإشارة من منصوب المراوعه آنذاك كما ذكر الاستاذ / الرديني محقق ديوانه ( زهرة البستان ) لهو اكبر دليل على وجود الغناء الموسيقي في تلك الفترة حيث حقق نجاح كبير في الغناء الصوفي وكان له حضورا على الساحة الفنية وإقبال كبير على قصائده المغناة فقد كان الشيخ جابر رزق – رحمه الله – يواجه صعوبة واستنكارا قبل تحوله للغناء الصوفي الذي أصبح فيه رائدا من رواده وقد قام الاستاذ الرديني8 مشكورا بتقديم نبذه عن حياته الشخصية والفنية نستطيع من خلالها أن نتعرف على العصر الذي عاش فيه جابر رزق وموقف الناس من الغناء الموسيقي وخاصة تهامة فالشيخ جابر لم يكن منشدا فحسب وإنما كان شاعرا وملحنا ومنشدا وقد ترك تراثا ضخما من الالحان والأناشيد الصوفية التي لا زال المنشدون ينهلون من معينه .. ومن روائعه الجميلة التي تنشد في المحافل هذه القصيدة الرائعة :
الفرح واللطف حاصل .. ( ديوان :زهر البستان في مخترع الغريب من الالحان ص 389 )
الفرح واللطف حاصل .. بالنبي حاوي الكمال
سائقٌ ساق الجحــافل .. فوق هامات الجبال
شببي لي يا بـــــــلابل .. ثمّ أذن يا بــــــــلال
فوق أعنــــاق البوازل .. و البلا والسخط زال
مرحباً بك عزّ واصــل .. في ليالي الاتصــــال
كنت لي أشهى مواصل .. انقطع حبل الوصــال
( توشيح )
عذبتني يا بدر وانظر لحالي وانتحالي اسهرتني من بعد تلك الليال
و مشلوع الهيــــــاكل .. قلت يا بدري تعال
كيف تدّع الجسم ناحل .. أنت أغلبت الرجال
قد سبـــاني غصن مال .. طرفه سيف القتال
وهو في عزّ المنـــازل .. دونه طعن النصال
( توشيح )
أوقفتني ما بين نجدٍ ورامه علمتني علم التصابي علامه بالسّلامة
يا حبيبي كم تســـــائل .. اترك أترك الســـــــؤال
انمــا حــر المســـــائل .. شخّصتَ قلبي يا غزال
قد فَني عمري مشاغل .. ما يُفيدُ الاشتغـــــــــال
ربّنا حــــاكم وعــــادل .. والذي أمحا الضــــلال
( توشيح )
شرفتنا بالدين يا ذا الجلال واطعمتنا من كل حالي وغالي وترٍ وآل
إنما كم لي وســـائل .. ليس يخفى ذا الجلال
غوثنا عاجل بآجــل .. وهو محمود الخصال #
بالإضافة الى الاغاني الشعبية التي كانت تردد على أسئلة العامة والمتوارثة جيلاً بعد جيل .
وإذا خرجنا من هذا الاطار الضيق الى الاطار الشامل نجد الأغنية التهامية تتنوع من لون يماني وشامي وبحري وغيرها .. ورغم ان هناك من يحاول أن يتجاهل الاغنية التهامية ولا يعترف بها ويكاد يهمشها حيث يدعي أن الأغنية اليمنية تنحصر في أربعة ألوان : ( الصنعاني و اللحجي واليافعي والحضرمي ) رغم هذا الادعاء المزعوم نجد الاغنية التهامية لها من الحضور والتميز ما يجعلها تحتل المكانة المرموقة بين الوان الاغاني اليمنية . . بدليل ان هناك الكثير من الفنانين اليمنيين من غنى اللون التهامي أمثال الفنان الكبير محمد مرشد ناجي الذي لحن وغنى قصيدة ( وانا واصياد ) للشاعر التهامي الكبير عبدالله غدوة والتي تقول :
واحـــب بحـــــرك غــــــزير واحنـــا امغــواصى فيـــه
و امرمــــل في ساحـــــــلك يشهـــد بمــــــا نشــــكيـــه
عيــــــون عند الغــــــروب للـــدمــــع تســـــكب فيــــه
قلــــــوب تمــلى عـــــلى الأمــــــواج ما تخـــــفـيــه
ســر الهــــوى ما اختفى والعيــــن ذي تبــــــديـــــه
واصيـــــاد قبل امشروق في امهوري لوحدك تصيد
تدبــز با مجــلب كل حيـن يطلـــع فيـــه رزقـك جـديد
قسمــــة رزق بين العباد والقّســـــام رب العبيـــــــد
حتى امبحر عنـدك حوال و انا مـــــوج بحري شديد
قلعب بي قلــــب زورقي ليتك و احبيبي تحيــــــــد
حيد امجسم حيد امعظام كيف بقين أمـــــانه تحـــيد
وامزيب هز بامشــــراع واموجــــــه رمنا وحيــــــد
في امساحل وبين امرمال ظُهرُ احمـــــــر وناره تجيد
وامقلب اختفــــن دقتـــــه حتى امنبض بين امــــوريد
من يطــــــرق لباب الغرام يصبـــــر لو تحمل حــــديد
أن الحـب قائم مقــــــــــام لــــه حُكمـــــه ولـه مايريد
ضاع معقل وضاع امقياس واحبي وضـــــــاع امرصيد

وكذلك للموسيقار الفنان أحمد فتحي في أغانيه التهامية ( وازيب قر ) وأغنية ( واساكن امجاح ) وأغنية ( و البارحة ) والتي هي من كلمات الشاعر عبدالله غدوة والفنان المبدع أيوب طارش العبسي وشيخ الفنانين محمد حمود الحارثي والفنان أحمد تكرير والفنان فيصل علوي والفنان عبداللطيف يعقوب والفنان محمد حلبي والموسيقار جابر علي أحمد وعمر غلاب وعبدالباسط عبسي وعبدالغفور الشميري والفنانة أمل كعدل والفنان عبود زين خواجه وأحمد الحبيشي وغيرهم بالاضافة الى عدد من الفنانين الخليجيين ومن قبلهم الفنان المرحوم إبراهيم محمد الماس و المسلمي وغيرهم من المبدعين ولنأخذ نموذج أغنية ( واساكن امجاح ) التي أبدع في تلحينها وأدائها وغنائها الموسيقار ابن تهامة أحمد فتحي والتي نالت شهرة عالمية :
واساكن امجاح

واخلّ كم لي بعيد عنَّكْ
سِنِيْن واهْلًكْ يُخبُّنَّكْ
عني وانا همْتُ في حُسْنَكْ
أخشى عليك لا يشلنكْ
واساكن امجاح
جنوا امناصف ولاوصَّيْتْ
حتى بحبه جبي منك
وقت امجنى غبت وتناسَيْتْ
ذا بخل وإلا جفاء منكْ
واساكن امجاح
كم ياكُتُبْ لَكْ أنا وصَّيْتْ
مع البريد وانت ما ردّيْت
أهملت لي امرد وتناسيْتْ
أحباب لك يسألون عنّك
واساكن امجاح
خليتني في امْقَفَصْ محبُوْسْ
أنوح مما جرى منَّك
لا طاب نومي ولا زادي
وأنت طاير على غُصْنَّكْ
واساكن امجاح
شَرْعَكْ حَكَمْ لَكْ كذا يا زيْنْ
تقسا على اللي يحبُّنَّكْ
أبحت لَكْ سرِّيَ امكتومْ
ولا لقيت الوفا مِنَّكْ
واساكن امجاح
بالإضافة إلى أن هناك العديد من الأدباء والشعراء من نظموا أغاني باللهجة التهامية ذاع صيتها وحملت لهم الشهرة والنجاح حيث غنى وأعطى الفنان أيوب طارش عبسي للأغنية الشعبية التهامية جل اهتمامه البالغ إذ قدمها بألحان مستوحاة من إيقاعات تهامة وبلهجة أهل تهامة ( اليمانية والشامية ) وكأنه أعلم وأعرف ودارس لفنونها وذلك من خلال أغانيه وانتاجاته الغنائية التهامية ولعدد من كبار شعراء اليمن أمثال الشاعر عثمان سيف قاسم المخلافي المكنى عثمان أبو ماهر في قصيدته الغنائية زارع أمحب وغناها الفنان أيوب طاهر عبسي بلحن من التراث التهامي وقام بتطوير هذا اللحن وانتاج الأغنية في قالب غنائي رائع وجميل :
زارع امحب كلمات الشاعر/ عثمان أبو ماهر

وآتي امبطــــــاح1 وآمراعي غزال امبشر
سـلام سلام وازخم2 واخيّ خيَّ امقمـر
واصاحب امكّف مسمر حان غرس امشجر
مــدُّ اميدين واجُهُــــد ادعيك مَحَّد أمر3
غرِّس ونا بمعرق شسقي4 عروق امشجر
كفّي بكفك وتي5 امشجار طاب امسمر
***
بالله عليك وازخم لملم ليَ اشـــــواقي
بَكِّر معي مِن غَبش نغرس على امساقي
زرع ام محبه شجر بكره هنتــــلاقي6
بين امشجر بامتعـــــاون نِكمــــِل امبَاقي
هيا معي وامزمّم7 تهــــــــامه امطل
نغـــرسَ امـــا شجــــار خــلي امكســــل
***
وازخــــــــــــم واسمـــــــــــــــــــر
وحـــــــالي حال حالي خطر8
لمـــــــا رأيتــــــــك و ا زخـــــــــم
بامكـــــف تغرس شجــــــر
حبيـــــــت انا غرس ا مشجــــــار
روح روح امــــــزهــــــــر9
وادقيق10 و ا رشيــق و ا غـالي
وا رفيـــــــــــــــق امبُكـــّر11
افــــــــــــديك انا و ا محنــــــــــا
أفدي امثنـــــايا امــــــدرر12
هبينـــــــــا لم أرض مشـــــــوار
بكــــره هنجني امثمــــــر13
***
عروسة امبحر تدعينا : واخيّ امقمر
تقول : يا ابن امتهايم حان غرس ام شجر​
هامش القصيدة :
وازخم :يازخم والزخم الجميل
وآتي امبطاح : وهذه البطاح المقصود الأرض ومن الملاحظ أن الشاعر استخدم أم بدل أل التعريف وهي المستخدمة في اللهجة التهامية
واجُهُد : ولد أدعيك أدعوك مَحَّد : ما أحد أمر : يأمر
وتي : هذه
ونا : وأنا شتسقي : سوف أسقي
هنتلاقي : سوف نتلاقى
وامزمم : يامزمم والزمام حلقة معدنية أوذهبية صغيرة توضع في أحد جانبي أنف المرأة امطل : أي صباحا
خطر : أي مرّ من أمامي
امزهر : الفل
وارفيق امبكر : يامن دأبه الخروج إلى الحقول في الصباح الباكر
وادقيق : يانحيل القامة مع طول
وامحنا : يامحنى مخضوب الكفين بالحناء
هبينا : أعطينا لم أرض : أي للأرض مشوار : ذهبنا اليها بكره أي غدا

ومن تلك الأغاني التي ذاع صيتها في الآفاق وحملت للشاعر والملحن والفنان الشهرة والنجاح الكبير اغنية (وا طاير امغرب ) وهي نموذج غنائي آخر للفنان أيوب طارش عبسي من أغانيه التهامية للشاعر / علي عبدالرحمن جحاف التي نالت شهرة عالمية كبيرة وحققت نجاحا كبيرا :
واطاير مغرب

وَاطَاير امْغرْبِ ذِيْ وَجَّهْت سَنّ امْتهايم
قلبي ضنـــــــــاه امْعَــــذابْ1
أحيان في مْزيدية واحيان منها وِشَـايِمْ
شَيّـــــــــَب وِعاده شَبَــــابْ2
سَقِّم أَشَا اتْسَايَلَكْ وَاخُو مْطُيُور مْحَوايِم
عسى تِــــــرِدِّ مْجَــــــــواب3
كُنْشِيْ نِحَاكُنْ وِليْ يِزْهَـد يُوَطِّيْ مْتَمَايِمْ
يِفْتــــــــح لقلبي مْكِتــــــاب4
لكــــــــــــــــل معلـــــول دواء
دِلَّهْ تِحِطِّــــه يحـــــــاوِيْ5
إلاَّ عليــــــــــــل مْهــــــــــوى
مَاشِي لجـــــرحه مُداوي6
ومْقلب لاكـــــــِدِن غَــــــــوَى
نَاخـــــــوكَ مَاهَا تِسَاوِيْ7
دايم زمــــــــــاني وانا بين امْجَفا ومْغلايِبْ
مــــا ذقت طعم امْسَعَـــــادة8
مِيّــــــــــــان له عز من فارق دِيار مْحَبايِب
وكيـــــــــف يهنــــــاه زَادِه9
من سَيَّـبْ مْزَهْبْ وِمْوادي وهوش مْزَرايِبْ
وخيمتـــــــه وِمْقَعَــــــــادَهْ10
يدعس على امْزَرْبْ يِتكشَّم سموم المصايب
من عَـــــــــافْ عِيْشَة بِلادِه
وعن هواها شَـــــــــــرَدْ
بعدِ إمْطمع في ســــواها11
صدَّق لِشُورْ مْشَـــــــــوَدْ
وقال ما عاد يِشَـــــــــاهَا12
يهنــــــاه عيشْ مْنَكَـــــدْ
مـــــا دام بارح ربـــــاها
عهدي بعيشْ مْهنا الْتَــــامِسْ ولي قلب سالي
يهوى مْطَرب ومْتِنِفَّـــــــــــاسْ13
في امْخَبْتْ وَانَا بِتَا مْدَبَعَــــــــةْ مِحمِّل جِمـالي
من الخَميس لا جبــــــــل رَاسْ14
بكل مِعْقــــاب ألاقي مْزَخَم يِخطـــــر قبــــالي
ماحَدِت شِيء غصن مَيَّــــــاس15
يرقص على نغمة امْشَحْـــرُورْ بينِ امْدَوالي
يَهمّــــــِسْ الأرضِ هِمّـــــــاسْ16
وَابَاهْ مَحْــــــــلا مْتِجِـــوَّالْ
وما ألذّ امْتَســــــــاليْ17
يا ليتني عِشت جَمَّـــــــال
سُقْيا لتلك اللَّيَــــــــالْيِ
وانا على غير ذَا مْحـــال
مَسْتــــُور لاَبِيْ ولا ليِ
هامش القصيدة : (1) واطاير امغرب: يا طائر الغرب/ ذي: الذي/ وجَهت: اتجهت/سن: نحو. (2) امزيدية : الزيدية مدينة في تهامة اليمن / وشايم : جهة الشام . (3) سقّم : انتظر / شا اتسايلك : أريد أن أسألك / وأخو مطيور محوايم : يا أخا الطيور الحوائم . (4) كنشي نحاكن : هل عندكم شيء / يزهد : يقدر / يوطّي : يصلّح أو يكتب التمائم . (5) تحطّه يحاوي : تجعله يستقر / دِلَّه : دواء ، أو وصفة علاجية . (6) ماشي : لا شيء . (7) لا كد : إذا قد / ناخوك : أنا أخوك / ما ها تساوي : ماذا ستعمل . (8) امجفا : الجفاء ، امغلايب : الغلائب مفرده الغلب وهو القهر . (9) مِيّان : من أين . (10) من سيّب مزهب : من ترك الحقل / هوش مزرايب : أغنام الزرائب / امقعادة : سرير النوم التهامي . (11) يدعس: يطأ بقدمه/ امزرب: الشّوك / يتكشّم: يأكل بلا ادام/شرد: هرب. (12) لِشُور : الرأي / امشود : المستهترون / يشاها : لا يريدها . (13) التَامِس : ليلة أمس / إمتنفّاس : الفرجة . (14) في امخبت : في الخبت / وأنا بتا مدبعة : وأنا بهذا الرأس / والخميس وجبل رأس منطقتان من مناطق تهامة . (15) معقاب : غرفة / امزخم : الجميل / ماحدت شيء : ما نظرت شيء . (16) يهمّس : يطأ الأرض برفق . (17) واباه : وا أبتاه / امتسالي : التسلّي واللعب .
ولنفس الشاعر أيضا قصيدة : ( كاذي شباط ) غناء الفنان أيوب طارش عبسي أيضاً
كاذي شباط الشاعر : علي عبدالرحمن جحاف

كاذي شباط واديك مسكن امحب
اسكب عبيـــرك في امجوارح اسكب
وابـــــــوي انا كم لي أهد واقرب
وامزخم يشــرق كامشموس ويغرب
كاذي شبـــــــــــــــاط في امخبت
جيل درفك شفــــــا قلبي امعليـــــــل
طويل مشــــــــــــوارك طــويل
انا نحا شعبــــــــــــــــك نــــزيل
جـــــارك أنا كب امما طلـه كب
ما كد بدالك من نحاي تهــــــرب
حولت حلوي في هواك لا مقب
والقيت قلبي في غيــــابة امـجب
هبيت فيـــــــــك امستحيـــــــل
وانته على امعـــــــــــاشق بخيـل
أحايلك وانتــــــــه تحيــــــــــــــــل
هــــــــــويل ماتاهب هـــــــــويل
عالجت لكن ماشفاني امطـــــــــب
كلن معاي يقرأ هـــــــواك ويكتب
وانته لأثواب امعناد تحــــــــــــزب
أمصنف امحــــــالي وفروة امدب
وانته وزا ظلي امظــــــــــــــــــليل
جميـــــــــل في امعفه جميــــــــل
ناخــــــــــوك ترود لا تميــــــــــــل
عن درب اشــواقي امأ صيـــــــل
أحسب جهادي في وصالك احسب
بامكنك من كل مهر تطلب
أمزخم دايم لآمقلوب ينكب
تغالبه ما غالبت وتدكب
انا فدا امقد امنحيل
ترحم نواحي وامزجيل
روحي لقربك وازخيم تخطب
حط امعتاب محد عليك يعتب
لكنني للوصل منك بارقب
عسى حبال الوصل منك يقرب
دخيل انا عندك دخيل
لاجلك تحملت امثقيل
وانته مصعد في امنقيل
سقم انا جارك قليل
ظمآن وانته لمنياق تحلب
تبدي دلالك لمرفاق وتحجب
حط مشود واسمع لصرخة امحب
ما مغصب محد لمقلوب يغصب
كنك تبادح لمخليل
أنا فدا امطرف امكحيل
محدش لك غيري قتيل
بترفقك دون امقبيل
أما قصيدة ( شابوك أنا و امرفاق بكره ) للشاعر المرحوم علي بن محمد العنسي الذي تأثر بلهجات أهل تهامة .. وقد غناها الفنان / محمد مرشد ناجي وغناها التهامي الأصل / أحمد يوسف الزبيدي وغيره من الفنانين المبدعين :
شابوك أنا وامرفاق بكره

شابوك أنا وامرفاق بكره
أرض أمجبل ما نبا امساحل
واسيد بى حيد ذى امخطره
خطرتهاشي وأنا جاهل
***
وازخم ماشا ولا ديرك
دير امجبل والنبى قصدى
طيرى غلب ما يشا طيرك
طيرك تهامى وأنا نجدى
***
فوج امجبل ليتنى حيدك
واشكى عليك حر ذا امزيب
والله لو تلمسه بيدك
ما زاد عذب فى امجبل مشرب
***
عميت فى اما وأنا عطشان
وامعق ما يشفى امغله
فرحت أبكى وأنا تعبان
واشرب دموعى امفله
***
وافوج بالله عليك بالله
سلم على سفحنا امغربى
وقل فراق لكم زله
غلبى على فقدكم غلبى
***
شم امرياحين وامواله
يين امرياض التى تزهر
مدامعى اليوم سياله
عليك وامنفس شاتقطر
***
اضافة الى نموذج آخر للغناء التهامي نجد الاستاذ الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان الملقب الفضول قد أبدع في كتابة الأغنية التهامية وأي ابداع وهي أغنية ( قولوا لأهل امعتب ) التي غناها الفنان أيوب طارش عبسي:
قولوا لأهل امعتب
قولوا لأهل امعتب وملامة
لمه لمه ملامهم إلى مه
من يوم عشقنا قامت أمقيامه
وقربوا لنا امصراط ومنار
ولو كف هذا القلب عن غرامه
ما عاش غير امخزن ومندامه
ولا هني صحوه
ولا منامه ولاسجع مغني
وحرك أوتار
كل امغنى وامفل من تهامه
وسجعة امقمري ومحمامه
وخضرة امريحان والتمامه
وكل مافي امروض من خزامه
لكل حالي زينة زمامه
لمن يجي مثل امعسل كلامه
من لابسات امحسن وامزخامه
كأنما تلبسين الاقمار
بكل حفظ الله وامسلامه
وكل قطر امغيث في امغمامه
وابن امعجيل يبخدش بمكرامه
لمن مشى فمهوى هيامه
مشوار خلف امحب بعد مشوار
وغيرهم ممن كتبوا شعرا باللون التهامي ومع ذلك يقولوا أن الأغنية التهامية ليس لها وجود وكأنها ليست لون من ألوان الغناء اليمني .
مع أن اللهجة التهامية سلسة ومحببة ومعروفة للجميع ويمكن لأي شاعر من أي منطقة أخرى أن يتعامل معها بسهولة لماذا ؟
لأنها ذات نكهة فريدة ولأنها تحمل في طياتها الكثير من الدلالات الفنية والصور الجميلة كما تتميز اللهجة التهامية بان عباراتها تحمل العديد من أنواع البديع كالجناس والطباق وغيره .
بل لا نذهب بعيدا حتى لانتهم بالشطح لو قلنا أن الشعر الحميني أصله تهامي ولا يقال إلاّ باللهجة التهامية ويؤكد قولنا فيما ذهبنا إليه الباحث اليمني والشاعر أ / عبدالجبار نعمان باجل الذي يقول أن أصل تسمية الشعر الحميني يرجع نسبة إلى قرية الحمينية8 التابعة جغرافيا وتاريخيا لمدينة حيس الغنية بالتراث الشعبي والفلكلوري ومن يطلع على دوواين الشعراء الحمينيين أمثال ابن فليته والمزاح والعنسي والفقيه أمهير وغيرهم يكتشف هذا واذا كان من حق الأغنية في اليمن أن تنتسب الى منطقة معينة فإن الأغنية التهامية هي الأحق والأولى بذلك لتميزها وثباتها أمام المتغيرات وهذا ما يؤكده الأستاذ الكبير الأديب اليمني والعربي المعروف عبدالله البردوني عندما سُئِل عن الأغنية اليمنية وتقسيمها إلى أربعة ألوان ( الصنعاني واللحجي واليافعي والحضرمي ) رد قائلا : إن الأغنية الشعبية لا يمكن نسبها الى مكان معين9 لأنها متعددة الألوان ويتابع إن الفن لا ينسب الى مكان وانما ينسب الى خصوصيات فنية والى مذهب في الفن الغنائي لأن الأغنية صوت وليس مكان .. ويضيف أستاذنا الكبير البردوني في أي مكان يمكن يلاحظ المرء أن الفنون التي يمكن أن تنسب الى المكان هي الأغاني التهامية فهناك البحري – واليماني – والشامي ... والأغاني التهامية هي التي أمكن أن تقتصر على المكان والأداء اليماني والاداء البحري والأداء الشامي .. ثلاثة من الإيقاعات تميزت بها تهامة وكانت تختلف في أبيات الشعر فيها كانت أبياتها أكثرها من الكلام المتجانس و أكثرها من العبارات المتطابقة وظلت متداولة ومتوارثة في تهامة نحو ثلاثمائة سنة ... وبالأخص الفن اليماني والفن الشامي .. ولكن لسوء الحظ أن هذا عرف كمذهب غنائي من ناحية أدائه فانتسب إلى المكان لأنه نشأ هناك وظل هناك ولم تحسن تقليده أي منطقة من المناطق10

هوامش :
1: الأنثروبولوجيين : الانثروبلوجي هو علم يدرس الانسان وحياته الاجتماعية ومعتقداته وثقافته كما يتناول أصل الجني البشري وتطوره وعلاقاته واعرافه وعاداته الاجتماعية .

2: راجع قرة العيون لابن الديبع ص16 تحقيق القاضي إسماعيل بن علي الأكوع وأحمد محمد الشامي
3: المقريزي : هو أحمد بن علي المعروف بتقي الدين صاحب الخطط والآثار ص 126 مطبوع في مصر سنة 1954 م
4: ابن بطوطه : رحلة ابن بطوطه
5: ابن المجاور : تاريخ المستبصر طبعة لندن
6: عبدالله الحبشي : حياة الأدب في عصر بني رسول وزارة الاعلام والثقافة سابقا - والخزرجي في العقود
7: عبدالله الحبشي ( الصوفية والفقهاء ) حيث كان مع الصوفية حول تحريم الغناء واستخدام الآلات الوتريه (أنظر حياته وشعره) طه أحمد أبو زيد - محمد سعيد جراده (الأدب عبر القرون الاسلامية) و ما ذكره عن آلة العود واستعمالاتهم آلات الغناء
8: عبدالجبار نعمان باجل : صحيفة (الثورة) اليمنية العدد 13944 صـ 10 مقال الكاتب يوضح فيه أصل تسمية الشعر الحميني ووضع قواعده
9 :حوار أجراه الصحفي عبدالقادر خضر مع الشاعر عبدالله البردوني بعنوان ( حوار في الحب والفن ) نشرته صحيفة الثقافية العدد (9... )صـ 24
10 :مرجع سابق : عبدالقادر خضر في حواره مع البردوني بصحيفة الثقافية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق