نـعم .. أنـا طَبيعتِي سَـودَاويـَّة
قالت غَيرُ وَاحِدَةٍ:أنتَ تحَمِلُ طَبيعَةً سَودَاويـَّة = وَلَم أغضَب مِن هَذا،وَلَم أُنكر عَلَيهِنَّ، فَهَذا أنا، وَتِلكَ هِيَ حَقيقَتِي؛ فَأنا رَجُلٌ فَطَرَهُ اللهُ عَلَى مُعَانقَةِ الضِّديـَّاتِ الصَّارخَةِ عِندَ مجَيءِ مَا لا يُنتَظَرُ مِن رَفِيقٍ أو حَبيبٍ،عَلَى هَذا فَإِنَّ الانقِلابَ يكُونُ صَامِتًا تَتبَعُهُ المَوَاقِفُ الدَّالَّةُ الصَّادِمَةُ،وَلا يكُونُ هَذا إِلاَّ مِن جهَةِ الحِفَاظِ عَلَى كِبريَاءٍ أحسَبُ أنهُ لا يَسقُطُ في هُوَّةٍ الخُضُوعِ وَالخُنُوعِ أبدًا = أذكُرُ أننِي رَافَقتُ شَابًّا مِن لِدَاتِي ذاتَ يَومٍ، فَامْتَدَّتِ الصُّحبَةُ مَا يَقرُبُ مِن عِشرينَ عَامًا، وَاضطَرَبَ بَينَنَا النِّقاشُ في مَارس 2014، فَقُلْتُ لَهُ:مَن كَانَ ذا كَرَامَةٍ فَلا يَبدَأنَّ صَاحبَهُ بالسَّلامِ، وَكُنتُ أعلَمُ أني ارتقَيتُ بالأمرِ إِلى ذروَةِ الغُلُوِّ،غَيرَ أني كُنتُ بعِيدًا عَن أهلِي، غَريبًا مُشَرَّدًا،فَقيرًا مُعدَمًا، وَكَانَ مُقِيمًا بأرضِهِ التِي هِيَ أرضِي،وَلَم يَلْتَمِس لِي عُذرًا، وَكَانَ مِن أحَبِّ خَلْقِ اللهِ إِلى نفسِي ... وَطَالَ بَينَنَا هَذا الخِصَامُ، وَطَالَ وَطَالَ، وَعَلَى قَدْرِ حُبِّي لَهُ كَانَ هَجرَانِي إِيـَّاهُ ... فَلَمَّا كُـنَّا في مَارس 2018، وَكَانت الحَالُ قَـد تَبدَّلَت، وَأرَادَ اللهُ أن أُبصِرَ شَمْسَ التَّمكُّنِ مِن بَعدِ أن عِشتُ دَهرًا تحَتَ سَمَاءٍ تُبرِقُ وَتُرعِدُ لا تَعرفُ غَيرَ إِبرَاقٍ وَإِرعَادٍ، وَكُنتُ بالعَاصِمَةِ أيامَهَا وَكَانَ هُوَ قَد فَارَقَ مِصرَ كُلَّهَا،وَكَانَ مِن أحَبِّ خَلْقِ اللهِ إِلى نفسِي،بَل كَانَ أحبَّهُم إِلَيهَا مِن بَعدِ بَعضِ أهلِي، وَكُنتُ دَائِمَ السُّؤالِ عَنهُ طِيلَةَ هَذِهِ السَّنوَاتِ، وَكَانَ تقِيًّا نقِيًّا طَاهِرَ الدَّخِيلَةِ، مَا ظَنَنتُ بهِ السُّوءَ قَط، وَطَاوَعَنِي عَقلِي فَسَألتُ عَنهُ فَأعطَانِي أخُوهُ الأصغَرُ مَا يُوصِلُنِي بهِ، فَلَمَّا الْتَقَينَا بالهتَّافِ لَكَأنَّ اللهَ أرَادَ أن يُثبتَ لِي أنَّ مَا كَانَ للهِ فَهُوَ لا يُعكَّرُ وَلا يَلْحَقُ بهِ مَرَارُ البُعدِ، وَأقسَمَ أنهُ كَانَ يُكثِرُ السُّؤالَ عنِّي، وَمَا ذكَرَنِي إِلاَّ وَأردَفَ ذلِكَ بالدُّعَاءِ، وَكَذلِكَ كَانَ العَهدُ بهِ وَالظَّنُّ = وَتوَاعَدنَا أن نَلتَقِي بالبَلْدَةِ، فَنَزَلْتُهَا أنا، وَلَمَّا حَانَ مَوعِدُهُ إِذا بهِ قَـد مَاتَ = وَلَو أنَّ خِنجَرًا احتَوَشَهُ الصَّدأُ قَد غُرسَ في كَبدِي لَمَا أصَابَ مِنِّي كَمَا أصَابَ مِنِّي فَقدُهُ مِن بَعدِ طُولِ انتِظَارٍ عَلَى طُولِ جَفَاءٍ، فَمَكَثتُ أشهُرًا لا أفتَحُ عَينِي وَلا أُغمِضُهَا إِلاَّ عَلَى الدَّمْعِ، وَمَا كُنتُ أرقُدُ قَبلَ أن أُقبِّلَ صُورَةً لَهُ عِندِي، وَكَانت الدُّنيَا قَدَّامِي كَأنهَا سَوَادٌ عَلَى سَوَادٍ في سَوَادٍ، وَمَا كُنتُ أتعَزَّى إِلاّ بحُسْنِ خَاتِمَتِهِ وَالنَّظَرِ إِلى السَّمَاءِ .
عَلَى أنهُ لَو حَطَّ الرِّحَالَ لانتَظَرتـُهُ وَمَا زُرتُهُ حتَّى يأتِينِي وَلَو استَقَرَّ الأمرُ ثانِيَةً عَلَى ذلِكَ ... فَتِلْكَ هِيَ طَبيعَتِي السَّودَاويـَّة .
وَلَولا أنَّ اللهَ أرَادَ بي خَيرًا في الدُّنيَا وَمَكَّننِي لَمَا تَرَفَّعتُ عَمَّا كَانَ بَينَنَا وَمَا كُنتُ أوَّلَ مَن يَسألُ ... وَتِلْكَ هِيَ طَبيعَتِي السَّودَاويـَّة .
وَلَولا أنهُ كَانَ مِن أهلِ الصَّلاحِ تِقِيًّا زاهِدًا نَقِيَّ السِّرِّ لَكَانَ صُلْحِي مَعَهُ أبعَدَ مِن عَودَةِ المَقبُورِ ... وَتِلكَ هِيَ طَبيعَتِي السَّودَاويـَّة .
وَأمَّا عَن الحُبِّ وَالهَوَى، فَقِس عَلَى مَا سَبَقَ تَعرِف كَيفَ هِيَ السَّودَاويـَّةُ التِي سَيْطَرَت عَلَى طَبيعَتِي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق