الفصل الجديد من روايتي : ( السطور التي مسَّها الجنّ )
ولا بـد من ذلك
وطَـويتُ لَيلَتي أُفكِّرُ في أمرِ رِسَالةٍ جَاءتنِي تطلُبُ مِنِّي أن أخُوضَ في تفصيلِ مَا قُـلـتُهُ بالكَلِمَةِ السَّابـقَةِ ، إِذ قُـلـتُ : (( وَلَـولا أن أُظـهِـرَ نُعُومَتِي أمَامَ الناسِ لَذكَرْتُ مَا تضظَرِبُ لَهُ القُلُوبُ وتذُوبُ الأفئِدَةُ وَتُزَلْزَلُ لَهُ الأنفُسُ الشَّاعِرَة )) = وهَا أنا أخضَعُ لِمَا جَاءَ بهَا نُزولاً عَلَى رَغبَةِ مَن أرسَلَهَا حُـبًّا لهُ وارتِفَاعًا بأمرهِ عَن الدَّفع والرَّدِّ .
إِنَّ النَّاظِرَ بعَينِ الاستِحسَانِ إِلى وَجهِ مَن يُحبُّ مَتى كَانَ مِن أهلِ الذوقِ فإنـهُ يَنظُـرُ أوَّلَ مَا ينظُـرُ إِلى عَينَيهَا، ومَتى نظَـرتُ إِلى عَينَي حَبيبَتِي فَمَا كُـنتُ أُبصرُ غَيرَ ملكُوتٍ تحَارُ إِبـَّانَ تأمُّلِهِ عُقُولُ الفُهَمَاءِ الألِبَّاءِ، عَينَاهَا ومَا عَينَاهَا !، مَدَاراتُ حُزنٍ، لكَأنَّ الدَّمعَ يشتَهِي أن يطفَحَ مِن ألَمٍ تُواريهِ بكِبرِهَا الذِي أعرفُهُ = وَعَوالِمُ فَرَحٍ،مَا رَأيتُهُمَا إلاَّ وأخَذني مَا يأخُذُ اليَتِيمَ يومَ عِيدٍ إِذا مَا قِيلَ لهُ إنَّ أباكَ لَم يَمُت وهَا هُوَ قَد أتاكَ لِيَرفَعَ عَنكَ كُلَّ مَا قَد رأيتَ بأيامِ يُتمِكَ مِن بلاءٍ = وكَونٌ عَظيمٌ مُتَّسِعٌ مِلْؤهُ غَرَامٌ وَشَوقٌ وَلَهفَةٌ لا تعرفُ غَيرَ الرِّباطِ عَلَى ثغـرِ الهَوَى وَالوفَاءِ = وفضَاءاتُ غُربةٍ، وحنَانٍ، وجُنُونٍ، وغَيْرَةٍ، واعتِدَادٍ بالذاتِ مَبعَثهُ شِدَّةُ العِشقِ وَقُـوَّةُ صِدقِهِ .
وأمَّا أنفُهَا؛ فَهُوَ ألْطَفُ مِن زيتُونةٍ عَلَى غُصْنٍ طَريٍّ بَدِيعِ المَنظَرِ، ولَكَم تأمَّلْتُ أنفَاسَهَا إِذ تتنفَّسُ فكُنتُ أقُولُ لِنفسِي إِنهُ مِن دُونِ رَيبٍ أرقُّ مِن نسِيمِ السَّحرِ،وَوَضعتُ رَاحتِي ذاتَ مرَّةٍ أتحَسَّسُ هَذِهِ الأنفَاسَ فكَانت عِندِي أحَبَّ مِن أنفَاسِ الصَّباحِ بأيامِ صَيفٍ،ومَا كَانَ بـِدْعًا أن قبَّلتُ هَذِهِ الأنفَ الجَميلَةَ ذاتَ يَومٍ .
وأمَّا فَمُهَا؛ فَمَا أدري مَا أقُولُ، فَالشِّفةُ السُّفلَى دَاعِيةٌ إِلى التَّداعِي أمَامَهَا، كَم لَثمْتُهَا مُفرَدَةً، وَكَم بتُّ مُعَانقًا لَهَا كَمَا يُضَاجعُ العَاشِقُ هَيكَلَ حَبيبَتِهِ التِي قَد عَشِقَ لأوَّلِ مَرَّةٍ مِن بَعدِ عَهدٍ طَويلٍ مِنَ الوَلَهِ وَالتَّمنِّي = وأمَّا تِلكَ الشِّفةُ العُلْيَا، فَلا أدرِي كَيفَ هَذا الجَمَالُ !، وَمِن بَعدِ هَذا الجَمَالِ ارتفَعَ مُنتَصَفُ أعلَى هَذِهِ الشِّفاهِ فكَأنهَا تَدعُو الرَّاهِبَ المُتبتِّلَ أن يحُبَّ ثمَّ أن يعشَقَ ثم إِذا هُوَ فنَاءٌ مَا بَعدَهُ مِنَ استِقلالٍ بالذاتِ في عَالَمِ الغَرَامِ = وَلَكَم قبَّلتُهَا فَمِتُّ إِبـَّانَ ذلِكَ ألْفَ مَرَّةٍ = وَمَا رَأيتُ في هَذِهِ الحيَاةِ أعظَمَ مِن قُربٍ إِلى اللهِ بالطَّاعَةِ وصَفَاءِ القَلْبِ، وَمَا عَلِمْتُ مِن شَيْءٍ في هَذِهِ الدُّنيَا أجمَلَ مِن قُبلَةٍ طَويلَةِ الأمَدِ لِفَمٍ كَهَذا يُنسَبُ إِلى جَسَدٍ كَهَذا تمَلِكُهُ إِنسَانةٌ كَهَذِهِ .
وَأجدُنِي الآنَ قَد أُرهِقتُ، فَالصَّمتُ أوْلَى، وَلَرُبمَّا أعُودُ !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق